فصل: القراءات والوقوف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كان كل من الصلاة والخشوع صادًا عن اللغو، أتبعه قوله: {والذين هم} بضمائرهم التي تبعها ظواهرهم {عن اللغو} أي ما لا يعنيهم، وهو كل ما يستحق أن يسقط ويلغى {معرضون} أي تاركون عمدًا، فصاروا جامعين فعل ما يعني وترك ما لا يعني.
ولما جمع بين قاعدتي بناء التكاليف: فعل الخشوع وترك اللغو، وكان الإنسان محل العجز ومركز التقصير، فهو لا يكاد يخلو عما لا يعنيه، وكان المال مكفرًا لما قصد من الإيمان فضلًا عما ذكر منها على سبيل اللغو، فكان مكفرًا للغو في غير اليمين من باب الأولى {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} [التوبة: 103] أتبعه قوله: {والذين هم} وأثبت اللام تقوية لاسم الفاعل فقال: {للزكاة} أي التزكية، وهي إخراج الزكاة، أو لأداء الزكاة التي هي أعظم مصدق للإيمان {فاعلون} ليجمعوا في طهارة الدين بين القلب والقالب والمال؛ قال ابن كثير: هذه مكية، وإنما فرضت الزكاة بالمدينة في سنة اثنتين من الهجرة، والظاهر أن التي فرضت بالمدينة إنما هي ذات النصب، وأن أصل الزكاة كان واجبًا بمكة كما قال تعالى في سورة الأنعام {وآتوا حقه يوم حصاده} [الأنعام: 141].
ولما أشار إلى أن بذل المال على وجهه طهرة، وأن حبسه عن ذلك تلفة، أتبعه الإيماء إلى أن بذل الفرج في غير وجهه نجاسة، وحفظه طهرة.
فقال: {والذين هم لفروجهم} في الجماع وما داناه بالظاهر والباطن {حافظون} أي دائمًا لا يتبعونها شهوتها، بل هم قائمون عليها يذلونها ويضبطونها، وذكرها بعد اللغو الداعي إليها وبذل المال الذي هو من أعظم أسبابها عظيم المناسبة؛ ثم استثنى من ذلك فقال: {إلا على أزواجهم} اللاتي ملكوا أبضاعهن بعقد النكاح، ولعلو الذكر عبر ب {على} {أو ما ملكت أيمانهم} رقابة من السراري، وعبر ب {ما} لقربهن مما لا يعقل لنقصهن عن الحرائر الناقصات عن الذكور {فإنهم غير ملومين} أي على بذل الفرج في ذلك إذا كان على وجهه.
ولما كان من لم يكتف بالحلال مكلفًا نفسه طلب ما يضره، سبب عن ذلك قوله معبرًا بما يفهم العلاج: {فمن ابتغى} أي تطلب متعديًا {وراء ذلك} العظيم المنفعة الذي وقع استثناؤه بزنى أو لواط أو استمناء يد أو بهيمة أو غيرها {فأولئك} البعيدون من الفلاح {هم العادون} أي المبالغون في تعدي الحدود، لما يورث ذلك من اختلاط الأنساب، وانتهاك الأعراض، وإتلاف الأموال، وإيقاد الشر بين العباد. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{لأماناتهم} على التوحيد: ابن كثير {على صلاتهم} موحدة: حمزة وعلي وخلف. و{عظمًا} {العظم} موحدين على إرادة الجنس أو على وضع الواحد مكان الجمع لعدم اللبس: ابن عار وأبو بكر وحماد و{جبلة} الأول موحدًا والثاني مجموعًا: زيد بن يعقوب. وروى القطعي عن أبي زيد بالعكس فيهما. الباقون مجموعين {سيناء} بكسر السين: أبو عمرو وأبو جعفر ونافع وابن كثير. الآخرون بفتحها. {تنبت} من الإنبات: ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب غير روح. الآخرون بفتح التاء وضم الباء من النبات. {تسقيكم} بفتح النون: نافع وابن عامر وسهل ويعقوب وأبو بكر وحماد. بالتاء الفوقانية: يزيد: الباقون بضم النون. {منزلًا} بفتح الميم وكسر الزاء: ابو بكر وحماد. الآخرون بضم الميم وفتح الزاء.

.الوقوف:

{المؤمنون} o لا {خاشعون} o لا {معرضون} o لا {فاعلون} o لا {حافظون} o {ملومين} o لاعتراض الاستثناء بين الأوصاف ولاستحقاق الشرط الابتداء ولطول الكلام وإلا فالآيتان من أوصاف المؤمنين ايضًا {العادون} o ج {راعون} oلا {يحافظون} o م وإلا لأوهم تخصيص الإرث بالمذكورين في الآيتين فقط {الوارثون} o لا {الفردوس} ط {خالدون} o {طين} جo للعدول عن المظهر إلى كناية عن غير مذكور فإن المراد من الإنسان آدم، ومن الهاء في جعلناه جنس ولده مع عطف ظاهر {مكين} oج للعطف {لحمًا} صلى وقد قيل للابتداء بإنشاء نفخ الروح تعظيمًا {آخر} ط {الخالقين} o ط لأن {ثم} لترتيب الأخبار فإن بين الإحياء والإفناء مهلة {لميتون} oط لذلك {لقادرون} o للآية مع اتصال المعنى بلفظ الفاء {وأعناب} م لئلا يوهم أن الجار والمجرور وصف أعناب {تأكلون} o لا لأن شجرة مفعول {أنشأنا} {لآكلين} o {لعبرة} ط لأن الجملة بعدها ليست بصفة لها {تأكلون} o لا {تحملون} o ط {غيره} ط {تتقون} o {مثلكم} لا لأن قوله: {يريد} صفة {بشر} {عليكم} ط {ملائكة} ج لانقطاع النظم مع اتحاد المقول {الأولين} ج o للآية مع اجتناب الابتداء بقول الكفار مع اتحاد مقصود الكلام {حين} o {كذبون} o {التنور} o لا لأن ما بعده جواب فإذا {منهم} ج لعطف المتفقتين مع اعتراض الاستثناء {ظلموا} ج للابتداء بأن مع احتمال إضمار اللام والفاء للتعليل {مغرقون} o {الظالمين} o {المنزلين} o {المبتلين} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)}.
اعلم أنه سبحانه حكم بحصول الفلاح لمن كان مستجمعًا لصفات سبع، وقبل الخوض في شرح تلك الصفات لابد من بحثين:
البحث الأول: أن {قَدْ} نقيضة لما فقد تثبت المتوقع ولما تنفيه ولا شك أن المؤمنين كانوا متوقعين لمثل هذه البشارة، وهي الإخبار بثبات الفلاح لهم فخوطبوا بما دل على ثبات ما توقعوه.
البحث الثاني: الفلاح الظفر بالراد وقيل البقاء في الخير، وأفلح دخل في الفلاح كأبشر دخل في البشارة، ويقال أفلحه صيره إلى الفلاح، وعليه قراءة طلحة بن مصرف أفلح على البناء للمفعول، وعنه أفلحوا على لغة أكلوني البراغيث أو على الإبهام والتفسير.
الصفة الأولى: قوله: {المؤمنون} وقد تقدم القول في الإيمان في سورة البقرة.
الصفة الثانية: قوله: {الذين هُمْ في صَلاَتِهِمْ خاشعون} واختلفوا في الخشوع فمنهم من جعله من أفعال القلوب كالخوف والرهبة، ومنهم من جعله من أفعال الجوارح كالسكون وترك الالتفات، ومنهم من جمع بين الأمرين وهو الأولى.
فالخاشع في صلاته لابد وأن يحصل له مما يتعلق بالقلب من الأفعال نهاية الخضوع والتذلل للمعبود، ومن التروك أن لا يكون ملتفت الخاطر إلى شيء سوى التعظيم، ومما يتعلق بالجوارح أن يكون ساكنًا مطرقًا ناظرًا إلى موضع سجوده، ومن التروك أن لا يلتفت يمينًا ولا شمالًا، ولكن الخشوع الذي يرى على الإنسان ليس إلا ما يتعلق بالجوارح فإن ما يتعلق بالقلب لا يرى، قال: الحسن وابن سيرين كان المسلمون يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك فلما نزلت هذه الآية طأطأ وكان لا يجاوز بصره مصلاه، فإن قيل فهل تقولون إن ذلك واجب في الصلاة؟ قلنا إنه عندنا واجب ويدل عليه أمور: أحدها: قوله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرءان أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24] والتدبر لا يتصور بدون الوقوف على المعنى، وكذا قوله تعالى: {وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلًا} [المزمل: 4] معناه قف على عجائبه ومعانيه وثانيها: قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصلاة لذكريا} [طه: 14] وظاهر الأمر للوجوب والغفلة تضاد الذكر فمن غفل في جميع صلاته كيف يكون مقيمًا للصلاة لذكره وثالثها: قوله تعالى: {وَلاَ تَكُنْ مّنَ الغافلين} [الأعراف: 205] وظاهر النهي للتحريم ورابعها: قوله: {حتى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] تعليل لنهي السكران وهو مطرد في الغافل المستغرق المهتم بالدنيا وخامسها: قوله عليه السلام: «إنما الخشوع لمن تمسكن وتواضع» وكلمة إنما للحصر، وقوله عليه السلام: «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدًا» وصلاة الغافل لا تمنع من الفحشاء، وقال عليه السلام: «كم من قائم حظه من قيامه التعب والنصب» وما أراد به إلا الغافل، وقال أيضًا: «ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل». وسادسها: قال الغزالي رحمه الله: المصلي يناجي ربه كما ورد به الخبر والكلام مع الغفلة ليس بمناجاة ألبتة، وبيانه أن الإنسان إذا أدى الزكاة حال الغفلة فقد حصل المقصود منها على بعض الوجوه، وهو كسر الحرص وإغناء الفقير، وكذا الصوم قاهر للقوى كاسر لسطوة الهوى التي هي عدوة الله تعالى.
فلا يبعد أن يحصل منه مقصوده مع الغفلة، وكذا الحج أفعال شاقة، وفيه من المجاهدة ما يحصل به الابتلاء سواء كان القلب حاضرًا أو لم يكن.
أما الصلاة فليس فيها إلا ذكر وقراءة وركوع وسجود وقيام وقعود، أما الذكر فإنه مناجاة مع الله تعالى.
فإما أن يكون المقصود منه كونه مناجاة، أو المقصود مجرد الحروف والأصوات، ولا شك في فساد هذا القسم فإن تحريك اللسان بالهذيان ليس فيه غرض صحيح.
فثبت أن المقصود منه المناجاة وذلك لا يتحقق إلا إذا كان اللسان معبرًا عما في القلب من التضرعات فأي سؤال في قوله: {اهدنا الصراط المستقيم} [الفاتحة: 6] وكان القلب غافلًا عنه؟ بل أقول لو حلف إنسان، وقال: والله لأشكرن فلانًا وأثني عليه وأسأله حاجة.
ثم جرت الألفاظ الدالة على هذه المعاني على لسانه في اليوم لم يبر في يمينه ولو جرى على لسانه في ظلمة الليل وذلك الإنسان حاضر وهو لا يعرف حضوره ولا يراه لا يصير بارًا في يمينه، ولا يكون كلامه خطابًا معه ما لم يكن حاضرًا بقلبه، ولو جرت هذه الكلمات على لسانه وهو حاضر في بياض النهار إلا أن المتكلم غافل لكونه مستغرق الهم بفكر من الأفكار ولم يكن له قصد توجيه الخطاب عليه عند نطقه لم يصر بارًا في يمينه، ولا شك أن المقصود من القراءة الأذكار والحمد والثناء والتضرع والدعاء والمخاطب هو الله تعالى، فإذا كان القلب محجوبًا بحجاب الغفلة وكان غافلًا عن جلال الله وكبريائه، ثم إن لسانه يتحرك بحكم العادة فما أبعد ذلك عن القبول.
وأما الركوع والسجود فالمقصود منهما التعظيم، ولو جاز أن يكون تعظيمًا لله تعالى مع أنه غافل عنه، لجاز أن يكون تعظيمًا للصنم الموضوع بين يديه وهو غافل عنه، ولأنه إذا لم يحصل التعظيم لم يبق إلا مجرد حركة الظهر والرأس، وليس فيها من المشقة ما يصير لأجله عمادًا للدين، وفاصلًا بين الكفر والإيمان، ويقدم على الحج والزكاة والجهاد وسائر الطاعات الشاقة، ويجب القتل بسببه على الخصوص، وبالجملة فكل عاقل يقطع بأن مشاهدة الخواص العظيمة ليس أعمالها الظاهرة إلا أن ينضاف إليها مقصود هذه المناجاة، فدلت هذه الاعتبارات على أن الصلاة لابد فيها من الحضور وسابعها: أن الفقهاء اختلفوا فيما ينويه بالسلام عند الجماعة والانفراد، هل ينوي الحضور أو الغيبة والحضور معًا.
فإذا احتيج إلى التدبر في معنى السلام الذي هو آخر الصلاة فلأن يحتاج إلى التدبر في معنى التكبير والتسبيح التي هي الأشياء المقصودة من الصلاة بالطريق الأولى، واحتج المخالف بأن اشتراط الخضوع والخشوع على خلاف اجتماع الفقهاء فلا يلتفت إليه والجواب: من وجوه: أحدها: أن الحضور عندنا ليس شرطًا للإجزاء، بل شرط للقبول، والمراد من الإجزاء أن لا يجب القضاء، والمراد من القبول حكم الثواب.
والفقهاء إنما يبحثون عن حكم الإجزاء لا عن حكم الثواب، وغرضنا في هذا المقام هذا، ومثاله في الشاهد من استعار منك ثوبًا ثم رده على الوجه الأحسن، فقد خرج عن العهدة واستحق المدح، ومن رماه إليك على وجه الاستخفاف خرج عن العهدة، ولكنه استحق الذم، كذا من عظم الله تعالى حال أدائه العبادة صار مقيمًا للفرض مستحقًا للثواب، ومن استهان بها صار مقيمًا للفرض ظاهرًا لكنه استحق الذم وثانيها: أنا نمنع هذا الإجماع، أما المتكلمون فقد اتفقوا على أنه لابد من الحضور والخشوع، واحتجوا عليه بأن السجود لله تعالى طاعة وللصنم كفر، وكل واحد منهما يماثل الآخر في ذاته ولوازمه، فلابد من أمر لأجله صار السجود في إحدى الصورتين طاعة، وفي الأخرى معصية، قالوا وما ذاك إلا القصد والإرادة، والمراد من القصد إيقاع تلك الأفعال لداعية الامتثال، وهذه الداعية لا يمكن حصولها إلا عند الحضور، فلهذا اتفقوا على أنه لابد من الحضور، أما الفقهاء فقد ذكر الفقيه أبو الليث رحمه الله في تنبيه الغافلين: أن تمام القراءة أن يقرأ بغير لحن وأن يقرأ بالتفكر.